أضواء علي العلاقة بين الإعلام والأمن

new-media4

 

لا يمكن لأي نشاط في الحياة المعاصرة أن ينجح دون الاعتماد علي وسائل الإعلام‏,‏ لاسيما إذا كانت له جماهيره العديدة المرتبطة به برباط المصلحة المنتشرة علي نطاق جغرافي كبير‏, فوسائل الإعلام هي التي تلقي الضوء علي أهداف هذا النشاط ومقاصده, وتعلم الجماهير عن انجازاته, وترصد نجاحه, وتقيم تجربته وتعكس آراء الناس تجاهه, ويمكن القول إن وسائل الإعلام أصبحت أهم آليات تحقيق مفهوم الاتصال ذي الاتجاهين الذي هو حجر الزاوية في نشاط المنظمات المعاصرة بصفة عامة والحكومية علي وجه الخصوص.
وتبدو العلاقة بين أجهزة الأمن في أي مجتمع ووسائل الإعلام علاقة تحكمها المصلحة المتبادلة بين الطرفين, ويتوقف نجاح هذه العلاقة علي إدراك كل طرف لأهمية هذه العلاقة ومتطلبات الطرف الآخر واحتياجاته, وأجهزة الأمن لايمكن أن تحقق أهدافها في ظل غيبة التعاون المستمر مع أجهزة الإعلام التي تستطيع أن تشحذ الرأي العام في اتجاه مضاد للجريمة, وتشجعه علي التعاون مع أجهزة الأمن لكبح جماح السلوك الإجرامي, وتحقيق مفهوم الأمن الوقائي والأمن العلاجي. وتستطيع وسائل الإعلام من خلال إلقاء الأضواء علي جهود الأمن وانجازاته أن تشيع احساسا من السكينة والطمأنينة مما يتيح مناخا ملائما لجهود التنمية وتحقيق الاستقرار, وبوسع وسائل الإعلام أن تحيط المواطن علما بكل الخدمات التي يقدمها جهاز الأمن بخلاف مكافحة الجريمة في مجال انجاح التجربة الديمقراطية من خلال تيسير عمليات الاتصال السياسي وممارسة التصويت الانتخابي, وكذا في مجال المرور والجوازات وحماية المنشآت وأمن المواطن والمطارات والمنافذ والأمن الصناعي.. الخ, وعلي أجهزة الأمن ضرورة إدراك حقيقة أن وسائل الإعلام تعد جمهورا من أهم الجماهير التي تتعامل معها.
وعلي الجانب الآخر, تبدو أجهزة الأمن جمهورا له أهميته لوسائل الإعلام, فنشاط الأمن وجهوده وانجازاته تمثل قيما اخبارية ومضامين إعلامية تأخذ طريقها إلي وسائل الإعلام من صحف ومجلات وإذاعة وتليفزيون. ولا يتيسر لهذه الوسائل تحقيق احتياجات جماهيرها في ظل تجاهل دور الأمن وجهوده, وهو ما يؤدي إلي إشاعة الخوف والفزع واضطراب السلوكيات, كما أن سلوكيات بعض أفراد المجتمع التي قد تتسم بالغرابة والشذوذ واللامعقولية والتي يتصدي لها جهاز الأمن, هذه الموضوعات لها مستهلكوها وجماهيرها, مما قد تحتويه من جوانب ارشادية وتوجيهية.
ينبغي علي العاملين عبر قنوات الاتصال الجماهيري مراعاة القواعد التالية عند معالجة الموضوعات والقضايا التي يكون الآن طرفا فيها:
أولا ـ مراعاة أن الكشف عن لغز أي جريمة يحتاج إلي وقت وجهد, ولذا ينبغي ألا تسعي الوسائل لتحقيق السبق علي حساب الصدق, وينبغي التزام الدقة ومراجعة البيانات والأرقام والتواريخ والأسماء, فأي خطأ يحدث بلبلة في الرأي العام, مع ضرورة الالتزام باستقاء الأخبار والمعلومات المتعلقة بالقضايا الأمنية من مصادرها الرسمية أو علي الأقل ضرورة أن تكون وجهة النظر الأمنية حاضرة في المعالجة الإعلامية.
ثانيا ـ عدم اتباع أسلوب التشكيك في انجازات جهاز الأمن ونتائجه عبر بعض وسائل الإعلام فالأمن ليس لديه مصلحة عند التصدي لبعض الجرائم التي تخل بالأمن الاجتماعي, في تلفيق التهم للناس جزافا, واتباع هذا الأسلوب التشكيكي يؤدي إلي خفض الروح المعنوية لأفراد جهاز الأمن, وهو ما ينعكس بالسلب علي مصلحة المجتمع.
ثالثاـ مراعاة عدالة تناول وسائل الإعلام لإنجازات جهاز الأمن علي مستوي محافظات مصر كلها, فيجب ألا تحظي هذه الانجازات والجهود المبذولة في نطاق القاهرة والجيزة باهتمام يفوق باقي محافظات مصر, ولاسيما في محافظات الوجه القبلي. وهو وضع قد يؤدي إلي شعور بعض أفراد الأمن بالظلم وانعدام المساواة بينهم وبين زملائهم في التناول الإعلامي.
رابعا ـ ضرورة اهتمام وسائل الإعلام بتضحيات جهاز الأمن وابرازها عبر الوسائل فهي تشكل قيما إعلامية وإنسانية, وتسهم في تكوين الصورة الايجابية لجهاز الأمن وأفراده. فالتضحية بالوقت والجهد والنفس ورفض المغريات لا يمكن أن يمر مرور الكرام, في وقت غلبت فيه الأنانية والنزعة الفردية والمادية علي سلوك الكثيرين.
خامسا: ضرورة أن تكون وسائل الإعلام عونا لجهاز الأمن علي توصيل رسالة للجماهير في غاية الأهمية والإقناع بها, ومؤداها أن جهاز الأمن يقوم بدور تنفيذي لقرارات أجهزة أخري, وقد تفشل هذه الأجهزة احيانا في تهيئة الرأي العام واقناعه بقبول القرار, وقد يترتب علي ذلك حدوث مصادمات بين الشرطة والمواطنين, لا تلبث وسائل إعلامية داخلية وخارجية أن تتناولها.
وعلي الجانب الآخر, تبدو هناك مسئولية كبيرة لأجهزة العلاقات العامة في قطاع الأمن فيما يتعلق بالتعامل مع وسائل الإعلام الجماهيرية. ونود أن نركز علي بعض هذه الأسس والقواعد التي ينبغي مراعاتها:
أولا: الاهتمام بالرد علي أي مضمون إعلامي يقدم عبر أي وسيلة إعلامية ويتعلق بالأداء الأمني, ويكون فيه نوع من التجاوز أو عدم الصدق أو غياب النظرة الشاملة للموضوع ولا مجال لتجاهل هذه المضامين بأي حال من الأحوال ولايهم في هذا المجال نوع الوسيلة أو مكانتها أو توجهها السياسي أو رقم توزيعها وسعة انتشارها, فمن الجائز أن يقدم مضمون ما في صحيفة لايتعدي قراؤها عدة أفراد ثم تقوم صحيفة أخري أوسع انتشارا بالنقل عنها مما يترك تأثيرا سلبيا علي صورة الجهاز وأفراده.
ثانيا: لما كان قطاع جهاز الأمن جهازا حكوميا يرتبط نجاحه بمدي قدرته علي الاستفادة من آراء وانتقادات ووجهات نظر الجماهير المرتبطة بالخدمة الأمنية, وكيفية تقديمها, ومدي ارتياح المواطنين لأساليب التعامل فإنه من الضروري الاستفادة من الانتقادات والتساؤلات والاستفسارات التي ترد عبر وسائل الإعلام الجماهيرية في إطار حرص الجهاز علي الارتقاء بخدماته وتحسينها وتطويرها, والرد علي مثيري هذه الانتقادات والتساؤلات, وهو ما يعكس صورة ايجابية لجهاز الشرطة قوامها احترام وسائل الإعلام والاهتمام بما يتردد عبر قنواتها من مضامين.
ثالثا: هناك جهود تبذل في مجالات الإعداد العلمي لأفراد الأمن, سواء فيما يتعلق بإتاحة الفرصة لاستكمال الدراسات العليا, أو عقد الدورات التدريبية في مجال حقوق الإنسان, أو مجال الاتصال أو الشراكة مع منظمات المجتمع المدني وتؤدي هذه الجهود مؤسسات أمنية علمية وأكاديمية علي درجة عالية من الحرفية والمهنية والانضباط, وأري من وجهة نظر شخصية أن مجتمع وسائل الإعلام والعاملين فيها والجمهور العام قد لايكونون واعين بشكل كاف بوجود هذه المؤسسات ولابدورها الايجابي, ولا بكم الجهد والعمل الذي يبذل في إطارها أو قد لاتكون الصورة واضحة بالقدر الكافي.
رابعا: اختيار اشخاص بعينهم للقيام بهذه المهمة ممن تتوافر فيهم هذه الخصائص, كما ينبغي مراعاة أن مواقف التأزم تتسم بحساسية خاصة, وتحتاج إلي توافر المعلومات الدقيقة, واستمرار امداد الوسائل بالجديد من المعلومات والبيانات, ولذا ينبغي أن يقوم بهذه المهمة شخص واحد يطلق عليه المتحدث الرسمي, وإذا وجد متحدثان فجب مراعاة التنسيق بينهما حتي لا تقدم معلومات تؤدي إلي بلبلة الرأي العام.

 

بقلم: د. محمود يوسف

نشر المقال في صحيفة الأهرام المصرية

الأثنين 10 من صفر 1431 هــ   25 يناير 2010 السنة 135 العدد 44975

إرسال تعليق

تعليقك محل اهتمامنا وتقديرنا..
سسسسسس
سسسسسسسس
جميع الحقوق محفوظة | فهد فواز 2023 Premium By Raushan Design