جماليات المقالة عند د. علي جواد الطاهر

aqq222عرفت نظرية الأجناس الأدبية منذ عهد الاغريق وظهور نقد ارسطو في كتابيه المعروفين" فن الشعر" و" الخطابة" حيث قسم الشعر الى أربعة أجناس هي الشعر الملحمي والشعر المسرحي والشعر الغنائي والشعر التعليمي، في حين قسم النثر على الخطابة وغيرها. لكن الاجناس النثرية شهدت تطوراً وتنوعاً في العصر الحديث بسبب تقدم الحضارة فظهرت أجناس نثرية لم تكن معروفة من قبل مثل المقالة والرواية والقصة القصيرة والمسرحية النثرية والسيرة الذاتية. يذكر المؤرخون أن الكاتب الفرنسي مونتين (1533-1593) هو أول من كتب المقالة في العالم، في كتابه" محاولات" الصادر في عام 1585، لكننا نقول أن العالم والأديب البغدادي أبن الجوزي (510هـ- 592هـ) سبق مونتين في كتابة المقالة بعدة قرون في كتابه " صيد الخاطر" الذي يتضمن قطعاً نثرية قصيرة تدور حول شؤون الحياة والمجتمع والدين وهموم النفس.

غير أن مقالات أبن الجوزي للأسف لم تترك أثراً يذكرفي الكتاب الذين أتوا من بعده، ولم يشتهر كتابه كثيراً، وعندما ظهرت المقالة في الأدب العربي في منتصف القرن التاسع عشر، كان ظهورها بتأثير المقالة الغربية ولما كان أحتكاك مصر ولبنان بالحضارة الغربية قبل أحتكاك غيرها من البلدان العربية، صارت الاسبقية للمقالة في أدبيهما ومن ثم النضج من هنا برز في مصر ولبنان كتاب كبار بمقالة أمثال الشيخ محمد عبده وطه حسين والعقاد والمازني واحمد أمين ومصطفى لطفي المنفلوطي والرافعي وزكي نجيب محمود وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمه..الخ.

أما في العراق فقد تأخر ظهور المقالة فلم نشهد كتاباً مجيدين لها الا في النصف الثاني من القرن العشرين أمثال الجواهري وعلي جواد الطاهر ويوسف الصائغ وعبد المجيد لطفي وعبد الجبار وهبي( ابو سعيد) وداود الفرحان وحسن العاني وغيرهم.

لكن نقد المقالة لم يحظ باهتمام يذكر من لدن النقاد والباحثين، ولاتزال المقالة جنساً أدبياً لم تكتب عنه الا دراسات قليلة جداً في العراق والاقطار العربية الاخرى، من هنا قلت في مناسبات عديدة، أن المقالة جنس أدبي مظلوم ومهمش لان الكثيرين لايعدونها من الادب، فكم من كتاب صدر ويصدر يحمل عنوان الادب الحديث في هذا القطر أو ذاك، نتصفحه فيه أثراً للمقالة.

من أجل ذلك كله كانت غبطتي عظيمة عند قراءتي كتاب الناقد الدكتور فاضل عبود التميمي" جماليات المقالة عند د. علي جواد الطاهر:( وراء الافق الادبي) مثالاً، الصادر عن دار الشؤون الثقافية العامة/ 2007 أحتوى الكتاب على أربعة فصول: الفصل الاول (جماليات الاثر والتوجيه وفيه تقصى الناقد المرجعيات التي أثرت في لغة الطاهر وظهرت سلتطها في نصوصه المقالية وهي القرآن الكريم والتراث العربي واللغة المعاصرة والمعرب، وقد توصل الناقد بعد دراسته لاثار هذه المصادر في مقالات الطاهر، الى" أن مصادر اسلوب الطاهر في ( وراء الافق الادبي) وان كانت بينه في تضاعيف المقالات وفقرها الا أنها لم تستطع ان تلغي اثر الكاتب الواضح في لغته واسلوبه وقد لا اجانب الصواب حينما اصف اسلوبه بالسهل الممتنع.." ( الكاتب/ 28)

والفصل الثاني جماليات البلاغة في الاسلوب درس فيه الناقد الظواهر البلاغية والأسلوبية التي تتكرر في مقالات الطاهر وهي الاستفهام والتكرار والسجع والطباق والعكس أو التبديل.

وبعد دراسة هذه الظواهر الاسلوبية والبلاغية قال الناقد: وبعد فهذه ابرز خصائص اسلوب د. على جواد الطاهر في كتابه المقالي (وراء الافق الادبي) وليس صميماً قاله الناقد د. مدني صالح من أن مقالته خلت من البلاغة وأرتضت لنفسها ان تقبل بالخبر والانشاء المحضين اللذين يهبطان بالمقالة الى مستوى الاخبار المقروءة بالجرائد". (الكتاب/ 60).

أما الفصل الثالث جماليات الاعتراض فخصصه الناقد لدراسة جماليات الجملة الاعتراضية بلغة المقالة التي لاتفارق ابداً جمال الاسلوب وانما تعمل على تأثيره لكن الفصل الرابع (جماليات البناء والتشكيل) دار على بناء المقالة وقد تأكد ان الطاهر يعتمد على هندسة معينة في تشكيل مقالاته وابرازها للوجود فهو يقدم الشكل على المضمون لان اعتزازه بالشكل يفوق اعتزازه بالمضمون والاعتزاز بالشكل يعني عنده العناية الخاصة بالادارة الفنية والسعي الحثيث الى عنصر الطراوة وهذا لايعني اهمال المضمون فهو في كل الاحوال قرين الشكل ومنبثق منه. (الكاتب/ 83).

ان لهذا الكتاب فضائل عدة لعمل اهمها انه واحد من الكتب القليلة التي لاتتجاوز اصابع اليد التي صدرت عنه ادب المقالة في العراق ومن هذه الكتب كتاب اساليب المقالة وتطورها في الادب العراقي الحديث والصحافة العراقية للدكتور منير بكر ورواد المقالة الادبية في الادب العراقي الحديث لعبد الجبار داود البصري وهو حسب علمي اول كتاب في النقد العراقي والعربي، يختص بدراسة كاتب واحد، وفوق ذلك يأتي الكتاب دراسة تطبيقية لنصوص مقالية تعنى بجمالياتها دون الانصراف الى مضامينها وافكارها كما هو شأن اغلب الدراسات عن أدب المقالة ولهذا كله سيكون الكتاب مصدراً في غاية الاهمية لطلبة الدراسات العليا والباحثين المهتمين بادب المقالة. غير ان شيئاً في الكتاب ربما يراه بعض الباحثين غير منسجم مع متطلبات الموضوعية التي تشترط في البحوث والدراسات العلمية والاكاديمية وهو ظهور عاطفة الناقد بين صفات الكاتب على نحو لافت للنظر تجاه الاستاذ الكبير الطاهر، ومثل الامر نهى عنه استاذنا الطاهر نفسه في كتابه( منهج البحث الادبي) فهو يقول في صفحة (47) في الكتاب " وهو يعني (الانصاف والموضوعية) الا تقبل على موضوعك بعصبية معينة له او عليه فتجرفك الاهواء يعنى بعيدا عن صميم عملك وعن الحق الذي يشترط ان يكون رائدك.

فليست البحوث اعمالا تقوم على العاطفة يشبع بها فلان نهمه او يرضى فلان نزوته فيرفع من يريد ان يرفع و يخفض من يريد ان يخفض أجل ان استاذنا الراحل يستحق كل ايات الحب والتقدير والاجلال لكن مجال العواطف والمشاعر يكون في مقالات ننشرها في الصحف والمجلات ومحاضرات نلقيها في المناسبات، غير ان الدراسات التي تنشر في كتب كما ارى ينبغي ان تكون بعيدة عن العواطف حتى تتوافر فيها الموضوعية فتكون مصادر يعتمد عليها في الجامعات والمؤسسات العلمية كافة.

تحية وتقديرا للزميل الناقد الدكتور فاضل التميمي لاصداره هذا الكتاب القيم.

  • د. فائق مصطفى

إرسال تعليق

تعليقك محل اهتمامنا وتقديرنا..
سسسسسس
سسسسسسسس
جميع الحقوق محفوظة | فهد فواز 2023 Premium By Raushan Design