بين الصحافة المكتوبة وصحافة الإنترنت.. أية جسور ممكنة؟

BN4373journale

عنوان مستفز لمقال توخينا أساسا أن يرصد واقع الصحافة بشكل عام ويلخص منظور ورؤية العديد من الفاعلين في قطاع الصحافة المكتوبة على الخصوص ورهاناتها في الحاضر والمستقبل وعلاقاتها المتوترة بالإنترنيت .

هو خطاب لواقع صحافة مكتوبة لا يختلف عن الخطاب القلق لدى الفاعلين في مجال الإنتاج الموسيقي قبل عشر سنوات .. الخطاب الذي مازال يروم البحث عن الشجرة التي تخفي الغابة ...

فها نحن نشاهد اليوم إلى أي مآل قد أوصلت التحاليل الخاطئة التي غيرت على مدى جيل على الأقل الصناعة الصحافية التي كانت منصرفة في خلق قيمها غير المضمونة .. قيم مختزلة في صورة تدبير يومي يعتمد على رأسمال مادي ورمزي راكمته في فترات تاريخية ساخنة وسانحة .

لاي ختلف الأمر في مجال الصحافة المكتوبة عن آفة القرصنة عن طريق تحميل موسيقى MP3

فلا فرق اليوم بين قارئ الأنترنيت وبين الشخص المحمل لملفات موسيقية أو فيديوهات أفلام وكليبات ... إنه نفس الشخص الذي يلجأ إلى نفس الوسيلة الدنيئة المقرصنة للتلقي والمتعة والقراءة بالمجان.

وخلال عشر سنوات الماضية تطور بشكل ملفت قطاع الإستثمار الموسيقي كما تطورت المادة الخبرية وظلت الصناعة الصحفية كما الصناعة الموسيقية مغمضتا عينيهما عن آفاق هذا التطور وقانعتان بالمكاسب التي حققتاها ، مقتصرتان على الإعانات من حكومات بلدانها ومن بعض الإعلانات التجارية.

وفي تقديرنا واعتمادا على مؤشرات وملامح الأفق المستقبلي لم يبق في عمر الصحافة المكتوبة سوى عشر سنوات كي تبحث عن حلول ناجعة ، فليس لديها ضمانة على مستوى تدبير حقوقها اليومية مقارنة مع حقوق الإنتاج الموسيقى والسينمائي .

إن عزوف الشباب عن قراءة الجرائد ليس بالأمر الطارئ وعلى كل حال سيبقى دائما هناك جمهور للجرائد يرغب في القراءة ويثمن رمزية الورق غير أن التكنولوجيات الجديدة مثل الكتاب الإلكتروني eBook فهو يمضي في تقدمه وتطوره سنة بعد أخرى ، أما جمهور الصحافة المكتوبة فلربما الكثير منهم قد أدركته الشيخوخة أو أصابته الفضائيات التلفزية بـ (عمى الألوان) ولا يسعنا إلا أن نتساءل وبشكل مشروع هل بعد عشر سنوات سوف يتم توزيع المادة الخبرية على سند ورقي مع ما يتطلبه هذا السند من تكلفة إيكولوجية مرتبطة باستهلاك الورق (حبرــ خشب الأشجارـــ نقل .. إلخ ) وحتى لو تجاهلنا هذه العوامل اليوم فمن دون شك أن العالم ماض إلى عصر سوف تصطدم فيه الإنسانية بواقع (اقتصادي ــ إيكولوجي) خطير. إن هذا السند (الصحافة المكتوبة) لنقل المادة الخبرية والمعلومة قد أصبح في نظر البعض تقليديا وقديما قدم عصر جوتنبرغ ... فقراءة جريدة أو مجلة أصبح اليوم لدى البعض مثل وقت بريستيج وشياكة خاص بنخبة محدودة فقط ، بعيدا عن الشريحة الواسعة التي لم تعد تجد في الصحافة المكتوبة أية مصلحة من مصالحها البراغماتية الضيقة المرتبطة بالمعيش اليومي والإشباع الفكري .

إن الورق باعتباره سندا لنقل الخبر والمعلومة لاشك أنه ماض إلى عصر الأفول إن في المستقبل القريب أو البعيد . بحيث أن ارتفاع تكلفة صناعته في السنين الأخير يشير من دون شك إلى أن الاستثمارات في قطاع الصحافة المكتوبة لم يعد ذا شأن أو أهمية وسواء اليوم أوغدا فلا شك أن الحقيقة المرة والصادمة ستطرق أبواب الجرائد مهما استمرت في دس رأسها في الرمال .

وفي منظور المدى البعيد وبرؤية عامة فالورق اليوم لم يعد سوى جسرا للانتقال إلى سند آخر وهذا السند لن يكون سوى الإنترنيت (الشبكة العنكبوتية) والله وحده يعلم ما يضمره الغد لكل الذين كانوا يعتقدون بالأمس أن الواقع سوف يخلد على صورته المريحة .

وفي جانب آخر وبالرجوع إلى عملية حسابية بسيطة وسريعة تتكشف الحقيقة الصادمة للعائدات الهزيلة التي تحصلها الصحافة الإلكترونية من عملية النشر على الويب ... فكيف بكل الفاعلين في قطاع الصحافة الإلكترونية اليوم والذين تخلصوا من تكلفة الصناعة الورقية ومشاكل التوزيع كيف بمقدورهم اليوم العيش على الوضع الاقتصادي المجاني للإنترنيت . بمعنى آخر لاوجود لانتقال من سند صحافي ورقي إلى سند صحافي إلكتروني في السنوات القليلة القادمة . إن مستقبل صحافة مكتوبة من دون ورق (ZERO PAGE ) بعيد وبعيد جدا والصحافة الورقية من الواجب عليها اليوم أن تهتم ببقائها على قيد الحياة ، البقاء الذي لا يعني في ظل مداخيل الويب الهزيلة الراهنة سوى العمل على  الورق والتفكير في الرفع من المبيعات .

منذ مدة طويلة لعبت الصحافة المكتوبة دورا فضوليا حين اهتمت بعيوب الإنترنيت من دون أن تلتفت إلى عيوبها الداخلية.

فالناشرون كانوا يلومون عامل التوزيع ويلومون الصحفيين ..إلخ وأصابع الإتهام يوجهها هؤلاء إلى أولئك وأخيرا الجميع يشير بأصابع الاتهام إلى الإنترنيت ...

هذا الإنترنيت الذي تلصق به كل العلل وكل المشاكل والعيوب بعد مرحلة طويلة مربها إعتقد فيها الجميع أنه ليس سوى مجالا إفتراضيا فقط لاقتراف جرائم البيدوفيليا والشذوذ الجنسي وأنه بؤرة لجماعات من المدونين المرضى النفسيين الذين يعملون على تشويه المعلومة ويعممون الإنحلالات الخلقية.

إن هذا الواقع الجديد لم يعمل على جعل الصحافة المكتوبة في حالة تدهور مرت عليها الآن أكثر من عشر سنين بل بات هذا الواقع شبيها بالاحتضار السريري وبالتالي صار لزاما البحث عن حلول للمشاكل التي تمس كل الفاعلين في المنظومة الصحافية ، تحريرا وإنتاجا وصناعة وتوزيعا وتمويلا وعلى مستوى كل مكون من مكوناتها الأساسية .

يعيش اليوم (النظام الاقتصادي) للصحافة مرحلة ضخ دماء جديدة .. فالصحافة المكتوبة التي كانت تعيش على وهم قدرتها على البقاء بقدر ما تستطيع وعلى وهم التحكم في بقائها أمربات يشغلها أكثر من السيطرة على فئة القراء والتي يستحيل أن تستمر في الحياة من دون إقتنائهم للجرائد .

وأهم ضمانة للصحافة المكتوبة هو مردوديتها وتنوع قيمها الجديدة ومصالحها الاقتصادية في قرية العالم الصغيرة . والسؤال الذي يتعلق ببقاء الصحافة الورقية على قيد الحياة لم يجرؤ على طرحه بعد المهتمون بالقطاع ، فالأمر يستدعي عملية إنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذا القطاع مثلما يفكر المسؤولون والمهتمون في إنقاد قطاعات عمومية أخرى تعرضت لأزمات مالية أو تسويقية أو استهلاكية بسبب سوء تدبير لمرافقها .

وبعيدا عن الاعتقاد باحتضارها السريري فالصحافة المكتوبة سوف تستمر في الحياة سواء بمصل الضخ الدموي أو بغيره وخلف هذا الواقع القاتم تكمن حقيقة قد تكون سببا في هذا الجفاء بين الصحفيين وإدارتهم وهي فقدان ثقة القراء ، فأغلب الصحف والجرائد في العالم تابعة لمجموعات قد تأتمر أحيانا بأوامر حكوماتها ... فمن الصعب التحدث عن استقلالية الصحافة بوجه عام ، يقينا أن الجسم الصحافي عندنا لا يشكو من فضائح الرشوة لكن مسألة الدعم المالي الحكومي للصحافة المكتوبة تبدو اليوم أكثر مما مضى ضرورية وأساسية من أجل الاستمرارية .

ونعتقد أنه مازال للصحافة المكتوبة وقتا مناسبا وكافيا لكي تتجدد وتتنوع وتصبح كما قال أحد المهتمين بالقطاع صحافة أكثر ميدياتية ، كما على الصحافيين أن يتوقفوا عن التفكير اليومي التقليدي كون جرائدهم ميديا مكتوبة ، لآنه برهانهم على الملتيميديا والبحث في المستقبل عن أشكال جديدة للتواصل واستغلال كل وسائل التمويل الموجودة والممكنة وأن يستمروا في الإيمان بأن المعلومة والخبر وتحليله والتعاليق وموضوعيتها ، هي مهنة قد تأتي أيضا بقيمة مضافة . وعلى الصحافة المكتوبة أخيرا أن تعيد طرح سؤالها الجدي والراهن في علاقتها بهذا الأنترنيت ونعتقد أن الكرة الآن في مرمى كل الصحفيين الورقيين . فهناك بعض الجرائد والصحف العالمية الشهيرة والسيارة التي بادرت إلى فتح صفحاتها للمدونين مثل نيويورك تايمز، وإذا كنا نعتقد أنه لا يمكن أن نصنع مستقبلا من دون صحافة فإن هذا المستقبل لا يمكن صناعته من دون صحافة أنترنيت أيضا وبالتالي وفي ظل هذا الواقع الجديد والمقلق على الصحافيين أن يغيروا من نظرتهم للإنترنيت باعتباره مخلوقا هابطا من كوكب الإلكترونيك والرقمية ليدمر مقرات الجرائد على رؤوسهم بل عليهم أن يبحثوا عن القنوات القمينة والجسور التي يمكن أن يعبرها القراء الأوفياء من السند الورقي إلى السند الإلكتروني ومن السند الإلكتروني إلى السند الورقي .

  • إعداد : عبده حقي
  • كتبها فابريج إبيلبوان
  • المصدر: مدونة عبده حقي

3 تعليقات

  1. والله موضوع في قمة الروعة وهام جدا فمع الأسف لم تستغل الصحافة الإلكترونية في الوطن العربي هذه التكنولوجيا حق استغلال
  2. أهلاً بك أستاذة كريمة وشكراً للتعليق.. أتفق معك وأعدت أن كلامك أيضاً ينطبق على باقي المجالات التي لم يستغل العرب التكنلوجيا والتقنية في تسهيل حياة الشعوب.. تحياتي،،،
  3. شكراً للجميع
تعليقك محل اهتمامنا وتقديرنا..
سسسسسس
سسسسسسسس
جميع الحقوق محفوظة | فهد فواز 2023 Premium By Raushan Design