كيف ألغت وسائل الإعلام عقول الجماهير؟!

clip_image001كيف ألغت وسائل الإعلام عقول الجماهير؟!

المخرج العالمي الكبير بيتر واتكنز هو أول من حذر من أخطار الحرب النووية والتلوث البيئي الناجم عن استخدام الطاقة النووية في فيلمه "لعبة الحرب" 1965، وأول من تكلم عن إفراط استخدام السلطة في الدول الديمقراطية الغربية في فيلمه "حديقة العقاب" 1970.

وهو أول من قدم دراسات حقيقية عن وسائل الإعلام وتأثيرها على الجمهور وإلغائها للتفاعلية وللعقلية النقدي لدى المواطن في العالم الغربي، وهو يقدم في هذا المقال رؤية واقعية لحالة العالم اليوم من حيث تأثير وسائل الإعلام على المواطن وضرورة إدراك هذا التأثير.

إنه يكلمنا عن الخفي والباطن في وسائل الإعلام، وكيف يمكننا إدراكه، والأهم ضرورة إدراكه، ورفضه من أجل الوصول لديمقراطية حقيقية، بل ومن أجل إنقاذ العالم من كوارث محدقة به!!

و"واتكنز" لمن لا يعرفه مولود في 29 أكتوبر 1935 في نوربيتون بإنجلترا، بدأ حياته مساعد منتج في مجال الإعلانات، ثم تحول إلى صناعة الأفلام في أواخر الخمسينيات، تعاقد في منتصف الستينيات مع "بي بي سي" على العمل كمخرج هاوٍ. وفي عام 1965 أخرج فيلم "لعبة الحرب" الذي استخدم فيه تقنية الجرافيك في التعبير عن كابوس الحرب النووية، وهو الفيلم الذي تم منعه من العرض. بعد ذلك تحقق في المسرح وفي إخراج الأفلام الوثائقية، ونال جائزة الأوسكار أفضل فيلم وثائقي عام 1966.

وعلى الرغم من أن واتكنز حقق نجاحًا كبيرا بفيلمه الروائي الطويل بريفيليدج عام 1967، فإنه سرعان ما عاد للأفلام الوثائقية، ومن أحدث أفلامه "ريزان" (1988)، وتدور أحداثه في 873 دقيقة (14 ساعة).

ومن أفلام واتكنز المهمة أيضا فيلم "الكوميون" الذي يتابع فيه بطريقة تليفزيونية حادثًا هامًّا في التاريخ الفرنسي، وهو صعود وسقوط حركة كميونة باريس خلال الثورة الفرنسية مستخدما 200 مواطن لإعادة بناء الأحداث التاريخية التي يقصد منها مخاطبة عصرنا الراهن ومناقشة دور الميديا والسلطة السياسية والمسئولية الذاتية.

وهذا ملخص وافٍ لمقال مهم له عنوانه: "الأزمة العالمية ووسائل الإعلام السمع بصرية وتقنيات تدريس وسائل الإعلام.. دراسة في انتقاد وسائل الإعلام وتأثيرها على الناس".

في انتقاد وسائل الإعلام وتأثيرها على الناس

بيتر واتكنز- كندا

لم نغير نمط حياتنا واستهلاكنا وترحالنا وطريقة نشرنا لما يسمى بالمعلومات تغييرا جذريًّا سريعًا، وما لم ندعم مجتمعنا بالمزيد من القيم الروحية والأخلاقية؛ فإن عالمنا الذي نعرفه سيتجه -على ما أعتقد- إلى هاوية مرعبة خلال الأعوام القليلة القادمة!!

حتى أعوام قليلة خلت كان المجتمع العلمي يسخر من تأثير الصوبة الزجاجية على الكوكب وعلى رفع درجة حرارة الأرض. أما الآن فإنه من الواضح أن التحذيرات الأولى لم تكن كافية. ومن الواضح أيضًا أن الإيدز قد وصل لدرجات مرعبة من الانتشار الكوكبي، وحتى لو تعاونت الشركات الجشعة متعددة الجنسية؛ فقد صار من غير الممكن إنقاذ حياة الملايين من البشر. أضف لكل هذا أنه في عالمنا الحديث ثمة ملايين من الناس الذين يحيون في فقر مدقع، ولا يحظون حتى بحقهم الأساسي في الموئل والمشرب الصحي والمأكل النظيف.

يعيش العديد من البشر في أوروبا وأمريكا الشمالية واليابان وأستراليا ونيوزيلندا، وفي نفس مستواهم تعيش الطبقات الوسطى والعليا في أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، وهم منغمسون حتى النخاع في اللعب بالهواتف الجوالة، والتجوال عبر الإنترنت، وإلقاء بقايا الطعام في صفائح القمامة بكميات مهولة.

تجدهم في سيارتهم التي يقودونها وأطفالهم السمان المتخمين يجلسون في الخلف إلى حين وصولهم لمدارسهم التي تبعد بضع مئات من الأمتار عن منازلهم. في المدارس يتعلمون كيف يستهلكون ويستهلكون بلا انقطاع. ثم تبصرهم في طائرات تبث سموم التلوث في الجو في طريقهم إلى منتجعات سياحية صنعت خصيصًا عبر تدمير البيئة الطبيعية؛ حيث يشوون أنفسهم تحت شمس قارة وهم يتخمون أنفسهم بطعام معدل وراثيًّا، ويجوسون عبر مئات القنوات الفضائية التي تبث نفايات متشابهة.

هل تبدو الصورة التي رسمتها قاتمة؟ أم هل صارت حياتنا قاتمة بالفعل، أو بالأحرى خطرة وشديدة الخطورة؟

أزمة القيم المعكوسة

بالطبع ثمة محاولات جادة يحاولها عدد متزايد من الناس في كل أنحاء العالم لمواجهة الأزمة الكوكبية وتلك "القيم" المعكوسة التي أودت بنا لهذه النقطة، لكن من الصعب أن نهرب من رؤية أن الكثيرين منا متورطون بشكل أو بآخر فيما عرف من قبل إبان الحرب الباردة وخطر الحرب النووية باسم عدم المبالاة المتعمدة والمدروسة. فبينما نحن نتغاضى ولا نبالي يعاني بقية البشر في معظم أنحاء العالم كي ننعم نحن "بالحرية" (والطعام والطاقة... إلخ)؛ أي كي نحيا بهذه الطريقة المدمرة.

ورغم أن وجودنا الموجه نحو الاستهلاك يبعد كل البعد عن حقيقة حياة ملايين البشر على كوكبنا الذين يعيشون على الكفاف ويأكلون بالكاد؛ فإن الرؤية الليبرالية الجديدة(*) حول "الحرية" و"التقدم" يتم الالتزام بها في كل مكان من إفريقيا إلى الصين إلى دول الاتحاد السوفيتي السابق بوصفها النموذج الاجتماعي والاقتصادي المنشود.

هذه الرؤية التي تفرض علينا خطأ معينًا لتطور كوكبنا هي أحد العناصر الأساسية فيما يسمى "بالعولمة" التي يقولون لنا إنها حتمية، ويتم فرض هذه الرؤية من خلال سلوك معظم حكومات العالم وأيضًا عبر وسائل الإعلام الكوكبية والسينما الهوليودية ومستنسخاتها في أوروبا وآسيا. وتستمر عملية وضع أساس القبول الأعمى للعولمة من قبل بلايين البشر في كل أنحاء العالم بشكل منتظم ودائم. وتقوم وسائل الاتصال البصرية والسمعية بدور حيوي في هذا المجال.

نحن البشر جنس ضار بنفسه. ونحن نكرر باستمرار أخطاء من كانوا قبلنا، وما زالت صفات الطمع والجشع والأنانية هي الصفات المحركة الأساسية للإنسان. نريد دائمًا أن نستغل الآخرين من أجل الوصول للسلطة والتحكم.

ويبدو أن النظام التعليمي والمؤسسات الإعلامية هي المثال الأوضح على هذه الصفات. بيد أنه من الواضح أن فساد الحياة في مجتمعاتنا المعاصرة يزداد بمعدلات متسارعة، ومع تزايده يتزايد العنف وتدمير الكوكب. وربما كان أهم جانب في هذا الفساد هو رفضنا العنيد أن نتعلم من الدروس التي يعطيها لنا التاريخ.

اللامبالاة بكارثة فقدان التاريخ clip_image002

من المستحيل أن نتصور مدى اهتمام أو عدم اهتمام الناس بالأزمة الكوكبية المتزايدة بأشكالها المختلفة أو حتى مدى معرفتهم بمدى هذه الأزمة حقًّا. ما أنا متأكد منه هو أن معظم الناس في شتى بقاع الأرض يأخذون موقفًا سلبيًّا فيما يتعلق بدور وسائل الإعلام.

وأعتقد أنه من الضروري والمنطقي أن نبحث أسباب هذه السلبية، ونبحث العلاقة المباشرة بين تلك الظاهرة والأزمة العالمية الكبرى بما في ذلك فقدان التاريخ!!

ثمة ثلاثة عناصر أساسية للأزمة:

1 - المشاكل الناجمة عن العلاقة الحالية القائمة بين الناس وإنتاج واستهلاك منتج وسائل الاتصال البصرية السمعية.

2- اعتقادنا غير الصحيح أن المجتمع لا يستطيع أن يستخدم الصوت والصور المتحركة بطرق مغايرة تماما من أجل التواصل، ومن ثم يكون بوسعنا التغلب على هذه الأزمة.

3- المرشحات المتعددة الموجودة في المجتمع التي تمنع الناس من مناقشة كل هذه العوامل بشكل حر ومفتوح(**).

هل ما زلنا بخير فعلا أم نتصور ذلك؟

تتمثل إحدى العوائق الأساسية أمامنا في علاقتنا التقليدية بالصورة والصوت؛ فمنذ اختراع الراديو والسينما -والآن الفضائيات- تسقط كل المناقشات حول هذه الوسائط في فخ تقليدي هو هل تُستخدم هذه الوسائط بوصفها أشكالا للإمتاع أو تستخدم بوصفها وسائل إشباع عقلي وثقافي؟

المشكلة أن الأطروحتين سواء الإمتاع أو التثقيف ترى تلك الوسائط بوصفها أحادية الاتجاه من الصانع إلى المتلقي والمشترك، ونادرًا ما تطرح قضية التواصل ثنائي الاتجاه الفاعل الحقيقي.

كل محبي السينما والإعلاميين والتربويين والنقاد لا يرون الجانب الهرمي غير الديمقراطي في معظم وسائل التواصل البصرية السمعية، ولا يعون الأزمة الديمقراطية التي تنجم عن هذا الجانب، وكأن هذا الشكل الأحادي الاتجاه لا يمكن تطويره، أو أنه لا يوجد شكل آخر غيره، ومن ثم لا تجوز مناقشته.

يقال مثلا: إنه من غير المعقول مناقشة قضية الهرمية في إنتاج المنتج السمعي البصري؛ لأنه منتج إبداعي، ومن ثم لا يمكن مناقشته بوصفه نتاج هزيمة تسلطية؛ فهو مماثل للمنتجات الإبداعية الأخرى.

ودائما هناك الأفلام الوثائقية الجميلة والأفلام الكلاسيكية الساحرة وأفلام المبدعين الكبار، مثل فليني (مخرج إيطالي شهير من رواد ما يسمى بالواقعية الإيطالية، من أهم أفلامه: الطريق والسفينة، ومدينة النساء... وغيرهما)، وكوروساوا (مخرج ياباني شهير، حاز على عدة جوائز عالمية من مهرجانات كان وفينسيسا وبرلين وغيرها، من أهم أفلامه: الساموراي السبعة، وذو اللحية الحمراء، وعرش الدم، والأستاذ)، وتروفوا (مخرج فرنسي شهير، من رواد ما أطلق عليه الموجة الجديدة في السينما الفرنسية، له كتاب شهير عن هتشكوك المخرج البريطاني الشهير، ومن أهم أفلامه 451 فهرنهيت، و400 ضربة، والحب الهارب)، وغيرهم وغيرهم؛ مما يؤكد -في رأي المجادل- أنه لا توجد مشاكل.

لكن الجدل لا يتطرق لنقطتين: أولاهما كمية ونسبة هذه الأعمال الخلاقة الجميلة التي أمتعتنا وعلمتنا، وثانيتهما أن وسائل الإعلام السمع بصرية الحديثة قد تجاوزت كثيرًا حد الأفلام الكلاسيكية والمخرجين الكبار.

لقد انتهى عصر الإبداع الفردي الحقيقي في وسائل السمع بصرية، وحل محله أشكال مصطنعة، هدفها الحفاظ على سلبية الجمهور، وبيع المنتجات المعلن عنها، ونحن نرفض بإصرار مناقشة هذه النقطة، ونتجاهلها، أو ببساطة ننكرها.

خداع الذات وابتلاع الطُّعم

إن الغطرسة والكبر والخيلاء من الصفات الاجتماعية البارزة في العالم النامي، ويصحب هذه الصفات رفض قاطع لإدراك الذات. نحن لا نتساءل: هل حقًّا نريد التغيير؟ هل حقا نحن راديكاليون كما ندعي، لا نسأل أنفسنا ولا نراجع ذواتنا، ومن ثم نسقط فريسة للتلاعب بنا بينما نحن نبتلع ما يقدم قائلين لأنفسنا "الإعلام يتلاعب بنا؟! مستحيل..!".

وتصل مستويات الكذب على الذات فيما يخص الدور الذي يلعبه المرء في الأزمة العالمية لمعدلات مذهلة وهي ترتفع مع تدهور الوقع، فنحن نكذب أنفسنا ونحاول دائمًا إلقاء اللوم على الآخرين، في الوقت الذي تصعد فيه وسائل الإعلام ضغطها المركزي، وتتواطأ معها الأنظمة التعليمية التي ترفض التفاعلية والمقرطة.

يعود جزء من آلية الكذب التي نمارسها لرغبتنا في ضمان عدم تحديد الآليات التي تروج لابتعادنا عن الواقع بالأساس؛ وهو ما يجعلنا نصدم بأن "العولمة" هي الواقع ولا بديل لها.

كان السفر تجربة ممتعة، أعطاني الكثير من المعلومات والمعرفة، منذ نهاية الستينيات وأنا أجوب المعمورة طارحًا فكرة التعامل النقدي مع وسائل الإعلام، إبان الأعوام الأولى من سفري كنت أجد دعمًا لفكرة نقد وتقويم وسائل الإعلام، لكن تزايدت المقاومة لهذه الفكرة مع الوقت وخاصة مع ازدياد سطوته وسيطرة وسائل الإعلام.

اليوم ومع بداية القرن الجديد تزيد أعداد البشر من الطبقة المتوسطة الذين يبررون عملية الإعلام برمتها ويفتحون مبررات، من قبيل: أحب التلفزيون حقا.. إنك تتعلم الكثير منه، أو: هل رأيت آخر أفلام "س"؟ عنيف بعض الشيء لكنه جيد جدًّا.

من المذهل أن ندرك كيف نفقد عقلنا الجمعي وقدرتنا على الحكم وأولوياتنا وحتى قيمنا وديننا.. فهل نجرؤ على الاعتراف بهذا؟

كل هذه الأشياء تنفلت من بين أصابعنا، ونحن نفقد كل إحساس بالقيمة الأخلاقية والروحية، لا نكاد ندرك كيف تدار مجتمعاتنا أو حياتنا أو أن العزلة الأنانية التي نحيا بداخلها تؤثر على مناخ كوكبنا، وبالتالي على الآخرين الأقل حظًّا منا.

إن الطريقة التي نستخدم بها وسائل الإعلام -أو بالأحرى تستخدمنا بها- تؤدي إلى تحويل الكابوس المتحقق في الواقع إلى آلة منظمة تحرك ذاتها وتنتج ذاتها.

وفي الواقع ثمة أعداد كبيرة من الناس ترفض هذا المجتمع الكابوسي الذي صنعناه بأيدينا، وتستخدم الإنترنت والشارع -أي العالم الواقعي والعالم الافتراضي المتخيل- للاحتجاج على ما يحدث، ولكن رغم كبر عدد البشر المحتجين سنجد أنهم أقلية في بحر الدعاية الاستهلاكية، ومع تزايد احتجاجاتهم تتزايد عملية عزلهم وتهميشهم في وسائل الإعلام(***)، وما يزال هؤلاء البشر ينتجون أفلامًا أحادية الشكل حول عملهم الاحتجاجي ومشكلة العولمة.

مشكلات وسائل الإعلام

ومن أهم المشاكل التي سببتها وسائل الإعلام للمجتمع:

1- رفض مناقشة سياسية البرامج سواء على الشاشة أو بشكل جماهيري.

2- استخدام التقنية الرقمية والأقمار الصناعية لعولمة سطوة وسائل الإعلام.

3- تزايد وانتشار الفساد في صفوف وسائل الإعلام مع تراكم السلطة الاقتصادية والشخصية المؤسسية بدون أي محاسبة من الجمهور.

4- إنفاق أموال ضخمة على أفلام وبرامج عنيفة ومهنية تهدف أساسًا لتكريس الهيمنة الأمريكية والأوروبية من خلال ما يُسمى الثقافة الشعبية، بدلا من إنفاق هذه الأموال على الصحة والتعليم ونزع السموم أو حفظ السلام وحل المنازعات.

5- رفض مناقشة وسائل إنتاج البرامج وتأثير هذه الوسائل على المتفرج بما في ذلك زيادة العدوانية وتقليل التأمل.

6- كبت ومنع تطوير وسائل إعلام نقدية وبديلة في المنظمات العاملة في المجالات السمع بصرية.

7-    تزايد الدعاية لقوى السوق العالمية، وكذلك رفض مناقشة أنماط اقتصادية وسياسية واجتماعية أخرى.

8- رفض مناقشة قضية عدم المساواة بين الرجل والمرأة في المجتمع الحديث.

9- رفض اتخاذ أي موقف نقدي تجاه الهيمنة المتزايدة للثقافة الهوليودية بما يجعل القنوات والبرامج ناقلات آلية لهذه الثقافة العنيفة التبسيطية المخلة التي تسود العالم سمعيا وبصريا وتقهر الثقافات المحلية.

10- استمرار رفض وسائل الإعلام العالمية مشاركة الجمهور في سلطتها أو حتى محاولة تطوير وسيلة محاسبة حقيقية أو علاقة مسؤولة مع المجتمع.

تلك هي المشكلات التي تواجه الوسائل السمعية البصرية وتؤثر علينا في كل مكان.

هل نستطيع مواجهتها؟ أو بالأحرى: هل نتمكن من رؤيتها بوضوح، وبالتالي إدراكها، ومن ثم التعامل معها؟ تلك هي قضية كل العالمين في هذا المجال.


(*) إشارة من الكاتب لفلسفة المحافظين الجدد الذين يحكمون العالم من الولايات المتحدة. وقد ازدهر هذا الاتجاه منذ نهاية السبعينيات في القرن الماضي مع مارجريت تاتشر المرأة الحديدية، ثم ريتشارد ريجان وهيلموت كول وجورج بوش الأب.

(**) يقصد واتكنز بهذه المرشحات المقولات التي تقوم على أنها بديهيات مثل مقولة "الإعلام مقصور على المحترفين" التي تمنع الجمهور من الوصول لوسائله الإعلامية والتفاعل معها، أو مقولة "السلطة تمنع هذا" التي تفترض سلفا أن ثمة حظرًا على موضوعات معينة، ويريد هنا أن يجعلنا نرى الرقابة الذاتية والمعوقات التي تصر على وضعها أمامنا.

(***) للأسف حتى وسط صفوف أولئك الرافضين لعملية العولمة لا يستطيع الكثير من الناس رؤية الدور الحاسم لوسائل الإعلام بوصفها جزءا أساسيا من المشكلة، بالتحديد يبدو أنهم مترددون في إدراك دور شكل وسائل الإعلام القمعي وغير التفاعلي.

البروباجندا.. لعبة تقود للحرب

داليا يوسف **

إذا ما أردت أن تدير مسرحًا للأعمال العسكرية فغالبا ما تحتاج لما يسمى في الخطط العسكرية -الكلاسيكية منها والحديثة- بالتمهيد النيراني.. وهو الشيء نفسه الذي تحتاجه لتقود مجتمعا إلى الحرب عبر تكنيك الدعاية أو "البروباجندا" ولا يعد ذلك محض ادعاء، ولكن ما أثبتته وثائق التاريخ ومشاهدات الحاضر.

وإذا ما أردنا أن نكتشف قواعد اللعبة فإن ذلك يجعلنا نبدأ بالكلمة بنفسها.. فكلمة بروباجندا تشير لأي تكنيك أو شكل من الاتصال يحاول التأثير على الآراء والمشاعر والمواقف والسلوك لمجموعة، وذلك لصالح راعٍ ما sponsor سواء بشكل مباشر أو غير مباشر وهدفها الإقناع. والإنسان كثيرا ما يستعمل حيلة البروباجندا حتى مع نفسه.

وربما يرى البعض فيها كلمة سيئة السمعة، إلا أن آخرين لا يرون فيها سوى تكنيك ليس له شأن بالسلبي أو الإيجابي، ورغم أن الدعاية قد تعمل لخدمة أناس يحملون قضية فإن ذلك دائما ما يكون مصاحبا بقدر من المبالغة وعدم اتزان العرض misrepresenting بل وحتى الكذب في بعض القضايا من أجل الحصول على الدعم.

أما وفقا للقاموس السياسي Political Dic , Fast time , Inc، فالبروباجندا هي كلمة لاتينية أول من استخدمها هو الأب جريجوري الخامس عشر (1622م) حيث أسس ما عرف بالدعاية الجماعية المقدسة sacred congregational propaganda، وهي مفوضية (لجنة) صممت لنشر العقيدة الكاثوليكية في العالم، ومنذ ذلك أُخذت البروباجندا بمعنى أوسع وهو نشر أي تكنيك في الكتابة والخطابة والموسيقى والسينما والوسائل الأخرى بهدف التأثير على الرأي العام.

النصيحة.. أبق عينيك مفتوحتين

ووفقا لعدد من المصادر فإن صناع البروباجندا يضعون عددا من الرسائل في كل قطعة وذلك للتحايل على قدرتنا على قراءة هذه الرسائل.. وبذلك فعلينا قراءتها جيداً حتى لا ننخدع بها.. فقد تحمل رسائل جيدة، إلا أننا علينا الفهم في كل الأحوال.

وإذا انتقلنا من التعريفات إلى التكنيكات وجدنا أن صناع البروباجندا عادة ما يعمدون إلى تكنيكات محددة والتي من أهمها اللغة المحملة بالدلالات Loaded language التي يجعلنا الانتباه لها أكثر قدرة على أن نرى العبارات التي تبدو أوصافا محايدة وهي تتكشف عن أحكام قيمية. فعلى سبيل المثال لو أنك تفضل إحدى الجماعات فقد تدعوهم بـ"جماعة لمناصرة المصلحة العامة"، وإذا كنت لا تفعل فربما تدعوهم بـ"جماعة ضغط"، وفي الشأن الخارجي قد تصف جماعة بأنها "تحارب الاستقلال" أما لو كنت لا تتفق مع قضيتهم فسوف تدعوهم "بالحركة الانفصالية".

والسؤال هو: كيف نرى ونتعامل مع البروباجندا؟

والمسألة هنا تعتمد على عدة أشياء منها الشخصية.. ما تحب وما تكره، القناعات، وربما الأكثر أهمية: التوقيت.

وعموما فنصيحة الخبراء لك: "أبق عينيك وأذنيك مفتوحتين وتساءل عن كل شيء".  

في أجواء الحرب

وإذا كان هذا هو الحال في الأجواء المعتادة فإن الأمر يتعقد وينتعش في أجواء الحرب أو الإعداد لها،  وعلى سبيل المثال فإن المناخ الذي صاحب الإعداد لحملة مكافحة الإرهاب -عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر- أنعش التساؤلات والمراجعات حول الأداء الإعلامي الأمريكي والتدشين للحرب، وبالرغم من صعوبة المراجعات والانتقادات في هذه الأجواء فإن البعض قاوم الأمر وقرأ المشهد بعدسات مختلفة تماما مثلما فعل روبرت ميكشيني مؤلف كتاب "الميديا الغنية.. الديمقراطية الفقيرة" والذي رأى أن الصحفيين والإعلاميين تحديدا عليهم أن يراقبوا ظهورهم مرتين في الحرب المعلنة ضد الإرهاب (مشيرا إلى بحثهم عن الأمن والحقيقة في آن واحد).

ويستمر روبرت ميكشيني في تقييمه للأداء الإعلامي ليشير إلى أن للأمر أثره السلبي على وسائل الإعلام، سواء في تضييق سيل المعلومات الصادر من الجهات الرسمية والبيت الأبيض أو السماح للصحفيين بالتواجد في مسرح الأعمال العسكرية، كما أن هناك ما يمكن أن نطلق عليه الرقابة الذاتية (عبر وسائل الإعلام نفسها) من شطب وحذف في بعض البرامج التلفزيونية أو فصل بعض كتاب الأعمدة - في حوادث قليلة - لكتابتهم ما يظنونه صحيحاً.

وفي إطار الانتقاد نفسه قدمت  Fairness and accuracy in report (fair) دراسة لعام 2001 عن NBC Night news , CBS Evening news , ABC world news Tonight  ليجدوا أن 92% من المصادر الأمريكية التي تم استضافتهم كانوا من البيض، 85% منهم ذكور، وحين كان الانتماء الحزبي يذكر فإن 75% منهم كانوا جمهوريين وبالطبع لم تكن تلك الدراسة كاملة للإعلام السائد إلا أنها تشير طبقا لما وصفه أصحاب الدراسة إلى أن هناك تمييزا سياسيا واضحا ربما في أكثر وسائل الإعلام السائدة شعبية.

وفي أجواء هذا الخطاب السطحي فإن التغطية الإعلامية لكثير من القضايا تصبح في مأزق حقيقي، وتصبح محاولات المراجعة كحجر يلقى في البحيرة الراكدة مثل ذلك الالتماس الذي وقع عليه -في منتصف أكتوبر من عام 2001 على إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر- أكثر من 250 باحث اتصالات وإعلام حول العالم وكانت دعوة لالتماس صحافة أكثر تعقلا عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ورغم أن توصيات الالتماس قد نجدها -في ظروف مختلفة- ليست أكثر من مجرد إعادة وتكرار للقواعد الصحفية المتعارف عليها، إلا أن هذه الأجواء تفرض ضرورة التأكيد عليها والتي كان من بينها:

- اتساع وتوازن مصادر ودوائر المعلومات التي يتم بثها والنقل عنها حتى لا تقتصر على المسئولين الحاليين والسابقين العسكريين والحكوميين فتتسع لتضم الأكاديميين الدوليين والمحليين، والمحللين والقادة المدنيين.

- دمج الأبعاد التاريخية والثقافية والدينية في المقابلات والتقارير المكتوبة وحيثما يتاح، بدلا من التعامل معها كموضوعات منفصلة معزولة عن التقارير الروتينية.

- اختيار اللغة والصور الأكثر نزاهة والتي تصف الأحداث بدقة وتتجنب تبني المصطلحات الروتينية والتفسيرات المستخدمة عبر المسئولين الحكوميين.

- تحديد تكرار استخدام الصور المتطرفة والتي تتسم بالمبالغة العاكسة للدمار والعنف والمعاناة.

الرؤية بدون عدسات

وهناك عدد من المراقبين والمتخصصين يرون أن معظم التغطية الصحفية عقب 11/9 لا تكاد تحقق هذه المعايير، وهو ما لاحظه آرون كاستلان كارجيل أحد موقعي الالتماس ومدير الدراسات العليا في جامعة ولاية كاليفورنيا ليقول: "إن التغطية في شبكات الأخبار والمجلات الإخبارية يبدو كأنها تبنت هدف تحضيرنا للحرب، بدلا من إثارة سؤال مثل: كيف وصلت الأمور لهذا الحد؟ لمن ستكون تلك الحروب؟" وأكمل: "لقد كنت محبطا بشدة من العدسات غير النقدية التي استخدمها الأمريكيون لمشاهدة الأمر".

أما  "روبرت ميكشيني" فكان أكثر صراحة واصفا أغلب التغطية الإعلامية فيما بعد 11/9 بأنها كانت "دعاية صارخة"، وأضاف: لقد فعل الإعلام كل شيء إلا ما يجب عليه فعله وهو مد المواطن الأمريكي بالسياق الذي يمكن من فهم أسباب ما يحدث.

"الدعاية الصارخة" التي تحدث عنها "ميكشيني" لها في الولايات المتحدة الأمريكية تاريخ، وصفه المفكر الأمريكي "ناعوم تشومسكي" بالمثير، وأوضح أن جوانب كثيرة من هذا التاريخ نتجت عن الحرب العالمية الأولى التي كانت نقطة تحول كبيرة، غيرت من وضع الولايات المتحدة في العالم؛ ففي القرن الثامن عشر كانت الولايات المتحدة بالفعل أكثر البقاع غنى، وبكل هذه المميزات ومع نهاية القرن الـ19 كانت الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك الاقتصاد الأغنى، لكنها لم تكن اللاعب الأكبر في المشهد العالمي.

وخلال الحرب العالمية الأولى تغيرت العلاقات بشكل أكثر درامية؛ فصحيح  أن الولايات المتحدة تمت لها السيادة بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن تغيرًا حقيقيًّا بدا بعد الحرب العالمية الأولى؛ إذ كانت المرة الأولى التي تشهد فيها  البلاد (الولايات المتحدة الأمريكية) دعاية منظمة من قبل الدولة.. كان للبريطانيين وزارة للمعلومات، وكانوا بحاجة فعلية لذلك ليضمنوا دفع أمريكا للدخول إلى الحرب، وإلا واجهوا مشكلة صعبة، كانت مهمة تلك الوزارة بالأساس إرسال الدعاية التي تضم اختلاقات كبيرة عن وحشية "الألمان المحبين للتدمير".

ويستمر تشومسكي "أما في الولايات المتحدة نفسها؛ فكان نظيرهم الرئيس ويلسون  الذي انتخب في 1916 على أساس معاداة الحرب، الولايات المتحدة كانت دولة سلامية.. الناس لم تكن ترغب في حروب خارجية، كانت معارضة تماما للحرب العالمية الأولى، وكان انتخاب ويلسون مرتبطا بهذا الأمر.. فقد كان شعار البلاد وقتها هو "السلام دون انتصار"، ولكن ويلسون كان ينوي الذهاب للحرب، وبقي السؤال: كيف يمكنك أن تحول شعبًا يبغي أفراده السلام  إلى مجانين مناهضين للألمان، ولديهم الرغبة في الذهاب لقتلهم؟! إن ذلك يستدعي دعاية (بروباجندا)".

وهكذا أنشأت الدولة أول وكالة دعاية في تاريخ الولايات المتحدة "لجنة المعلومات العامة" التي سميت أيضا لجنة "كريل" creel ؛ لأن الشاب الذي أدارها كان يدعى كريل. وكان مهمة اللجنة أن تقوم بالدعاية بين الناس لتخلق حالة من الهستيريا الشوفينية (أي الغلو في الوطنية)، ووصفها المعلقون بأنها عملت بشكل رائع؛ ففي غضون شهور قليلة كان سعار حرب يجتاح البلاد، وأصبح بإمكان أمريكا الدخول للحرب.

أحد قادة هذه اللجنة كان له كتاب خرج فيما بعد بعنوان "بروباجندا"، وصفه بأنه تطبيق لدروس الحرب العالمية الأولى؛ ليقول: إن بإمكانك "أن تنظم بصرامة العقل العام في كل جزء منه تماما كما ينظم الجيش أجساد الناس".

المشهد الذي تحدث عنه تشومسكي علينا أن نضعه أمامنا، ونحن نتابع جهود الدعاية في التحضير لضرب العراق 2003؛ حيث توظف تكنيكات البروباجندا.

وقد عرف الخبراء مراحل عديدة تعد مفتاحية "لتلطيف" soften up الرأي العام تجاه الحملات أو التدخل العسكري عبر الميديا وذلك في التحضير للتدخل العسكري وهي:

المرحلة الابتدائية The preliminary stage

وخلالها تصعد البلد المقصودة للأخبار، والسبب للاهتمام المتصاعد قد يكون:

الفقر، الديكتاتورية، الفوضوية...

مرحلة الإقناع The justification stage

وخلال ذلك تنتج أخبار ضخمة تعطي مبررا وعجلة urgency لقضية التدخل العسكري وذلك لعودة الأمور لطبيعتها.

مرحلة التنفيذ The implementation stage

حيث تعمل الرقابة العسكرية غالبا على التحكم في التغطية.

مرحلة ما بعد (النتيجة) The aftermath

وتصور بعدها الأمور وقد عادت لطبيعتها قبل أن تسقط أخبار تلك البقعة من الأجندة.

ودائما ما تكون هناك قصص للانتهاك بحيث تكون نقطة الانطلاق لمرحلة الإقناع، وهي القصص التي لا تتحمل التأخير أو التأمل بعمق في أي من المفاوضات.. وتكون قصص انتهاك حقوق الإنسان (أو ربما أسلحة الدمار الشامل!!) مثالية في خلق هذا المناخ.

أما فيليب نايتلي Phillip knightly في جريدة الجارديان 20-3-2000 فقد حدد 3 نقاط لتحضير أمة للحرب:

1- الأزمة The crisis والتي تظهر فيها التقارير وكأن الأزمة لا يمكن حلها عبر المفاوضات، وتأتي تقارير الإعلام تقول "الحرب حتمية" – مرة أخرى تذكّر العراق.

2- تشويه صورة قائد العدو leader The enemy ومقارنته بهتلر وهي بداية جيدة وذلك للصورة الذهنية التي يمثلها اسم هتلر.

3– نشر البشاعات Atrocities بوضع قصص واختلاقات لتقوية ردود الأفعال العاطفية.

بين الجيش والميديا

ويذكر الكاتب الصحفي phillip knightley  في جريدة الجارديان في مقال له عن التحكم في مدى مصداقية الأخبار وما ينشر عن أسباب الحملات العسكرية أن "أحد الصعوبات أن الإعلام ليس له سوى ذاكرة قصيرة فالمراسلون العسكريون أعمارهم قصيرة، ولا يوجد تقليد أو وسائل للتواصل مع  معارفهم أو خبراتهم، و على الجانب الآخر يظهر الجيش كمؤسسة تسير إلى ما لا نهاية، الجيش - في إشارة للمؤسسة العسكرية الأمريكية - تعلم الكثير من فيتنام، و في هذه الأيام فهو يخطط لإستراتيجيته الإعلامية بنفس درجة الاهتمام التي يضع بها إستراتيجية عسكرية إذ حاول جاهدا أن يتابع الميديا عبر تنظيم جلسات للعاملين بها أو ملخصات صحفية يومية أو بتوفير وصول محكم (مدار) لمناطق الحرب".

إن التحكم العسكري في المعلومات أثناء فترة الحرب يعد عاملا مساهما للبروباجندا خاصة حينما تذهب الميديا معه دون سؤال، إن الجيش يعلم جيدا قيمة الميديا والتحكم فيها ، فالمعلومات بالنسبة له هي "عملة النصر"، ومن المنظور العسكري فإن حرب المعلومات هي جبهة أخرى للمعركة، وتحتاج -في الأغلب- لنوع من الخداع لضمان دعم الرأي العام.

وكنتيجة لذلك فإن من المهم وضع عناصر البروباجندا في أذهاننا حينما نشاهد تغطية الصراعات أو حتى القضايا الأخرى في وسائل الإعلام بصرف النظر عن المؤسسات الإعلامية وشهرتها المعروفة، وهي الرسالة التي نود التنويه لها في متابعتنا للأحداث الجارية سواء في التغطية الإعلامية لقضية الاستعداد لضرب العراق أو غيرها من قضايا محورية.

وليس من درس أشد قسوة وأكثر قدرة على جعلنا نستوعب طبيعة هذه الآلة الرهيبة "الدعاية" مثل "القضية الفلسطينية"؛ حيث يقول إدوارد سعيد في مقال له بـ"الأهرام ويكلي" في أغسطس 2001: "لم تكن الميديا بهذا القدر من التأثير في توجيه خطاب الحرب، مثلما هي في انتفاضة الأقصى التي أصبحت أساسا معركة حول التصورات الذهنية والأفكار، وإسرائيل بالفعل دفعت بمئات الملايين من الدولارات فيما يعرف بالعبرية هاسبرا hasbara  أو معلومات للعالم الخارجي؛ بما يعني البروباجندا.

ويقول: الفلسطينيون في غزة والضفة يموتون، ليس فقط لأن الإسرائيليين يمتلكون القوة مع توفر الحصانة، لكن لأنه ولأول مرة في التاريخ المعاصر يبرز التحالف النشيط بين البروباجندا في الغرب والقوة العسكرية لصالح إسرائيل وداعميها..

ويستمر إدوارد سعيد واصفا لنا ضعف الرد الفعل العربي تجاه هذا الوجه من وجوه الصراع: "ومنذ عام 1948 فإن القادة العرب لم يعكروا صفوهم بمواجهة بروباجندا إسرائيل في أمريكا، كل الأموال العربية الهائلة استثمرت في النفقات الحربية في الاتحاد السوفيتي، ثم التسلح الغربي؛ وهو ما كان يتم إفساده؛ لأن هذه الجهود لم تكمن محمية بالمعلومات، أو تعمل هيئات متخصصة على شرحها بصورة منتظمة، والنتيجة حرفيا أن مئات الآلاف من أرواح العرب ضاعت من أجل لا شيء، لا شيء على الإطلاق، ومواطنو القوة الوحيدة في العالم (أمريكا)  دفعوا ليؤمنوا بأن كل ما يفعله العرب عنيف، متطرف، ومعاد للسامية".  

ثم يُظهر قدرًا من الأمل يسطع في استخدامنا لهذه الآلة، واصفا جهد اللجنة العربية لمناهضة التمييز في الولايات المتحدة الأمريكية وحملتها التي تنظم لصالح استرداد الفلسطينيين لتاريخهم؛ لتظهرهم -كما كانوا دائما- بشرا people like us يحاربون للحق والعيش بحرية.. لتربية أطفالهم والموت بسلام..  وحينما تنفذ أشعة هذه القصة إلى الضمير الأمريكي؛ فالحقيقة –كما آمل– ستبدأ في الظهور لتنقشع سحب البروباجندا الشريرة التي استخدمتها إسرائيل لتغطية الحقيقة. 
لعل أمل إدوارد سعيد يتحقق، بيد أن سحبًا كثيرة بدأت تتراكم في سمائنا!.

الإعلام البديل..
المقاومة بالقلم والكاميرا
(دعوة للمشاركة)

د.مجدي سعيد

2003/03/27

**

شوارع العالم تموج بحركة الشعوب المناهضة للحرب

قوات الشرطة هنا وهناك تصطدم بالمتظاهرين

جرحى وقتلى ومعتقلون

ذكريات ومشاهدات

وقائع وصور

هذه هي حركة الجماهير تعبر عن الضمير الإنساني المناهض للحرب

نريد أن نقرأ ونسمع ونرى الصورة الحقيقية لتلك الحركة الإنسانية

ولكن..

هل تفتح صحيفتك اليومية فلا تجد فيها أخبار تلك الحركة التي تعبر عنك؟

هل تفتح قناتك الفضائية المفضلة فتجدها تتناول تلك الوقائع بشكل مشوه أو مبتسر؟

هل ترغب في أن تجد مكانا "بديلا" لوسائل الإعلام الرئيسية تلك؟

هل تريد أن تجد في تلك الوسيلة الخبر والتحقيق والصورة والتسجيل الصوتي والمرئي لتلك الفعاليات التي لا تجد لها مكانا تستحقه في وسائل الإعلام الكبرى؟

إذاً دعونا نسأل:

هل جربت يوما أن تكتب على جدران الحائط؟!

أو على خلفيات الأبواب المغلقة؟!

هل جربت أن تصدر صحيفة حائط في مدرستك أو كلّيتك؟

هل جربت أن تدون مشاهداتك وذكرياتك عن الأحداث التي تشارك فيها؟

هل تهوى حمل كاميرتك أو جهاز تسجيلك لتسجل الوقائع المهمة؟

لقد كنت أهوى صنع ذلك

ولم أكن أجد مكانا لنشر ما كتبته أو صورته أو سجلته

لكنني لا زلت أحتفظ بأرشيفي الخاص

مشاهدات وذكريات

صور

مقالات..

تستطيع أنت أيضا أن تصنع وسيلتك الإعلامية بنفسك

تستطيع أن تحمل قلمك وتذهب هناك لتكتب خبرا أو تحقيقا أو لتدون مشاهداتك

تستطيع أن تحمل كاميرتك الفوتوغرافية أو حتى الكاميرا الموجودة بمحمولك لتصور الأحداث

تستطيع أن تحمل جهاز التسجيل الخاص بك لتسجل أصوات الجماهير ولتجري لقاءات حية مع رموزها

تستطيع أن تحمل كاميرا الفيديو أو السينما الخاصة بك لتصور الوقائع حية أو لتصنع فيلما تسجيليا

ولكنك تتمتع بفرصة ذهبية لم يتمتع بها جيلنا، فأنت تستطيع أن تجد متسعا لنشر ما تسجله أو تدونه

تستطيع أن تروجه وسط آلاف بل ملايين القراء والمشاهدين

كل ذلك ببساطة عبر شبكة الإنترنت

التي تستطيع أن تحمل صوتك إلى نهاية العالم

باختصار: نحن نفتح لكم الآفاق لكي تنشئوا

"الشبكة العربية للإعلام البديل"  

(شعاب)

ننتظر مساهماتكم التطوعية لكي نصدر نشرة:

"شعاب الحرية"

ولكن قبل أن ترسل لنا مساهماتك، ندعوك لكي تتوقف قليلا لتطالع مقالا قديما سبق أن نشرته في إحدى الصحف بعنوان" نشطاء الفيديو والإعلام البديل"، لكنه فيما يبدو ذهب كصوت في البرية

أدعوك أيضا لتطالع عددا من الموضوعات التي سبق أن نشرت في صفحة "ثقافة وفن" كي تتضح الصورة أكثر .

إرسال تعليق

تعليقك محل اهتمامنا وتقديرنا..
سسسسسس
سسسسسسسس
جميع الحقوق محفوظة | فهد فواز 2023 Premium By Raushan Design